أتابع
باهتمام التطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقات القطرية ـ المغربية‚
التي كان من ثمارها الطيبة‚ زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل
ثاني أمير البلاد المفدى الناجحة إلى المغرب‚ يومي السابع والثامن من يوليو
الماضي
فهذه الزيارة
الأميرية‚ جاءت تتويجاً للعلاقات الأخوية والمتميزة التي تربط بين
الزعيمين الكبيرين وشعبيهما الشقيقين‚ وشكلت محطة أخرى على طريق تعزيز
العلاقات الثنائية‚ التي تشهد تطوراً ملموساً في الفترة الأخيرة بين
البلدين والقائدين‚ مما يؤكد حرص دولتنا قطر على تنمية وتوثيق علاقاتها مع
محيطها العربي والإسلامي‚ على أساس الاحترام المتبادل‚ بما يؤدي إلى ترسيخ
التعاون الإيجابي وتعزيز التفاهم المشترك‚
وما من شك في
أن تطوير وتفعيل علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع الشقيقات العربيات‚ هو
خيار استراتيجي لا رجعة عنه‚ باعتباره خياراً أساسياً لشعبنا القطري‚ قبل
أن يكون اختيارا لحكومتنا‚ التي تسعى لمد يد التعاون والمحبة لجميع الأشقاء
والأصدقاء‚
في هذا
الإطار لا أنسى الجهود الإنسانية التي بذلتها الدبلوماسية القطرية‚ لإنهاء
معاناة «100» أسير مغربي‚ كانوا محتجزين لدى جبهة «البوليساريو»
الانفصالية‚ وقد ساهمت هذه المبادرة النبيلة في لمّ شمل أسر الأسرى
المغاربة الذين وصلوا إلى بلادهم في الرابع والعشرين من فبراير «2004»‚ على
متن طائرة قطرية خاصة‚ يرافقهم سعادة الشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني وزير
الدولة‚ ومسؤولون من الصليب الأحمر الدولي‚
ولأن هذه
المكاسب التي تحققها الدبلوماسية القطرية في الخارج لا نريد أن نخسرها في
الداخل بسبب تغطيات غير متوازنة تقوم بها ـ أحيانا ـ قناة الجزيرة
الفضائية‚ فإنني استغرب‚ كمواطن قطري وكمشاهد عربي‚ قيام الإعلامي المغربي
عبدالسلام رزاق مراسل «الجزيرة» في الرباط وزميلته إقبال الهاملي العاملة
بالمكتب ببث أخبار غير دقيقة‚ تتعلق بملف قضية الصحراء الشائك‚ ونقل أخبار
غير صحيحة على لسان الانفصاليين «البوليساريين»!
وإذا كان
النظام الديمقراطي في المغرب يسمح لأي مواطن بأن يعبر عن رأيه بحرية‚ فهذا
لا يعني استغلال الديمقراطية الإعلامية التي توفرها قناة «الجزيرة»‚ أو
الديمقراطية السياسية التي تنتهجها المملكة المغربية‚ لبث أخبار تخلو من
المصداقية‚ أو تمرير أفكار انفصالية‚ أو تبرير سلوكيات انفعالية‚ كالتقرير
الذي تم بثه حول أحداث مدينة «العيون»‚ عندما قام نَفَرٌ من المواطنين
الصحراويين بالتعبير عن آرائهم بطريقة غير حضارية‚ في أواخر شهر يونيو
الماضي‚
فالمغرب لا
يمنع مواطنيه الصحراويين من مناقشة أحوالهم ومشاكلهم مع مسؤوليهم المغاربة‚
لأن هذا البلد العربي يعيش نظاماً ديمقراطياً قائماً على الحوار‚ مما يسمح
للشباب الصحراوي بالمشاركة في المؤسسات السياسية المغربية‚ سواء على صعيد
مناطقهم أو أقاليمهم‚ أو على الصعيد الوطني‚
وسواء كان
مراسل «الجزيرة» الذي تم سحب بطاقته الصحفية مخطئاً أو مصيباً‚ لا نريد أن
تكون الخطوة المقبلة إغلاق مكتب هذه القناة الفضائية في الرباط‚ ولست في
حاجة إلى القول هنا إن قناة «الجزيرة» تتجاوز ـ أحياناً ـ في تغطيتها
للشؤون المغربية‚ مما يؤدي إلى الإضرار بالمصالح القطرية‚ وإذا كان مراسلها
المغربي وزميلته يتعاطفان شخصياً مع الحركة الانفصالية في الصحراء‚ فلا
نريد أيضاً أن تساهم هذه العواطف الشخصية والتجاوزات المهنية في زراعة
الشوك والشكوك في مسار العلاقة بين الدوحة والرباط‚
إننا نعلم أن
المغرب الشقيق ينظر إلى قضية الصحراء على أنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه‚ أو
القفز فوقه‚ أو العبث فيه‚ فهذه المسألة تمثل قضية تراب وطني بالنسبة
للمملكة المغربية‚ لا يمكن التفريط فيها‚ أو التسامح معها‚ أو التساهل
بشأنها‚
وأنا هنا
عندما أتناول هذه القضية الحساسة لا أريد أن أكون مغربياً أكثر من
المغاربة‚ ولا صحراوياً أكثر من الصحراويين‚ ولكن عندما نفتح ملف قضية
الصحراء الغربية‚ أو بمعنى أدق المغربية‚ لنقرأ تطوراتها ونعرف خلفياتها‚
لابد أن نتوقف أمام حقيقة دامغة‚ دون انحياز أو مبالغة‚ وهي أن هذه المنطقة
مغربية الأصل والهوى والهوية والتاريخ والجغرافيا والدم والولاء والإنسان‚
بموجب الشواهد والحقائق‚
فالتاريخ لم
يعرف‚‚ لا قديماً ولا حديثاً شيئا اسمه «الدولة الصحراوية»‚ التي يسعى
الانفصاليون لسلخها عن الوطن الأم‚ فقد كان ملوك المغرب قبل الاستعمار
الإسباني يعيّنون ممثلين لهم على أقاليم هذه الصحراء‚ التي ترتبط معهم‚
برمالها الذهبية وسواحلها الأطلسية الطويلة‚ برباط البيعة‚ كما ترتبط هذه
الأرض بالمملكة المغربية‚ ليس في تاريخها المعاصر‚ بل في التاريخ الموغل في
القدم‚ منذ مطلع القرن السادس عشر‚
إنها شواهد
تؤكد أحقية المغرب بالصحراء التي لم يبق منها سوى اسمها تحت الحكم الملكي
المغربي‚ فالدولة المغربية قامت بإنجاز حضاري ضخم في الصحراء القاحلة‚ التي
ينهض فيها الآن واقع عصري جديد‚
لقد صرفت
المملكة المغربية أموالاً طائلة على مشاريع البنية التحتية لتطوير الصحراء‚
التي تبلغ مساحتها «000‚266» كلم مربع‚ ولم تدخر جهدا لتحويل واحاتها إلى
مدن عصرية‚ حيث وفرت لها مياه الشرب العذبة والطرق المعبدة والكهرباء
والمساكن والمستشفيات والمدارس والمتاجر والأسواق‚
وشتان بين
أوضاع مدن الصحراء‚ التي تنعم بالتنمية والازدهار تحت السيادة المغربية‚
حيث الأسفلت والعمران يزاحم الرمال والوديان‚ وبين الأوضاع البائسة في
مخيمات «تندوف» الموحشة التي تديرها «البوليساريو»!
ولعل عودة
القادة المؤسسين لهذه الحركة الانفصالية من المخيمات الصحراوية البائسة إلى
حضن وطنهم الأم في المغرب‚ أكبر دليل على ذلك‚ للاستفادة من سياسة العفو
الملكي عنهم‚ وآخرهم‚ ولن يكون الأخير‚ «حمداتي ولد رباني» الوزير السابق
في الحكومة الانفصالية‚ الذي شغل حقيبة وزارة العدل والشؤون الإسلامية على
فترتين‚ ما بين (86-1988) و(95-1998)‚ كما شغل منصب وكيل الداخلية عام
2000!
وما من شك في
أن هذه المؤشرات تؤكد أن «البوليساريو» تتآكل من الداخل‚ ويتزايد حرجها مع
تزايد وتيرة عدد الانفصاليين التائبين العائدين إلى حضن وطنهم الأول‚
خصوصاً بعد فرار أركانها الأساسيين‚‚ الواحد تلو الآخر إلى الرباط‚
ولعل من
المفارقات الغريبة التي لا يعرفها الكثيرون أن والد محمد عبدالعزيز
«المراكشي» زعيم جبهة «البوليســــاريـو»‚ أو الرئــيس الحالــي لما
يســمـى بـ «الجمهورية الصحراوية» هو مواطن مغربي‚ يدعى الشيخ الخليلي محمد
بن البشير الركيبي‚ من قبيلة «الركيبات» المغربية‚ وهو يقيم في مدينة
صغيرة تدعى «قصبة تادلة» في سفح جبال الأطلس الكبير بالمملكة المغربية‚
ولكل هذا
استغرب محاولات «البوليساريو» اليائسة لفصل الصحراء عن وطنها الأم‚ وتأسيس
دويلة مستقلة عن المغرب في الرمال القاحلة دون أن تملك أبسط مقومات الدولة‚
والمؤسف أن هذه المحاولات الانفصالية الفاشلة تحدث في زمن العولمة‚ الذي
تتجمع فيه الدول الكبرى في كيانات سياسية واقتصادية عملاقة!
إن العالم
كله يتجه اليوم إلى التوحد والتكامل والتلاحم وإقامة القوى القادرة على
مواجهة تحديات القرن ومتطلباته ومتغيراته‚ ومع هذا نسمع أصواتاً شاذة أو
شاردة في مخيمات «تندوف» البائسة تدعو للتفتت والانقسام والانفصال‚ وإقامة
كيانات كرتونية هزيلة‚ ليس لها مكان على الخريطة السياسية العالمية!
وما من شك في
أن مثــل هذه الدويلات المصطـنعة لا يمكن أن تكون إلا بؤرة للأزمات
المستدامة والويلات التي لا تنتهي‚ ومن هنا فإن أية محاولة لفصل الصحراء
المغربية عن ترابها المغربي هي محاولة لتحويل مجرى التاريخ والتشويش على
مستقبل المغرب‚ من أجل صرفه عن برنامجه التنموي‚
إن الخلاف
المستدام حول الصحراء المغربية يرسخ مشكلة التجزئة العربية‚ كما يعكس
الطريقة التي قسّم بها الاستعمار بلدان المغرب العربي‚ تاركاً خلفه مشاكل
وقنابل مرشحة للتفجّر‚
لقد أصبحت
قضية الصحراء المغربية ترسم مسارات ومنحنيات العلاقات المغاربية ـ
المغاربية‚ وهناك مصالح عالمية وإقليمية تتقاطع وتؤثر على مسار هذه القضية‚
ولأن النزاع متشابك ومتعدد الوجوه والأطراف‚ فإنه يجري البحث منذ أكثر من ثلاثين عاما عن حل لهذه القضية تحت مظلة الأمم المتحدة‚
لقد طرحت
المنظمة الدولية عدة حلول في إطار جهودها لتسوية الملف الصحراوي‚ ولم يكن
أي حل منها موضع اتفاق بين الطرفين (المغرب وما يسمى بجبهة البوليساريو)‚
مما جعل تقريب وجهات النظر بينهما أشبه بمحاولة الحوار بين «الطرشان» أو
«الصمخان»‚ ورغم تباعد الفجوة بين الطرفين‚ ورغم تعطل الحلول‚ يبقى خيار
الحكم الذاتي الواسع للصحراويين‚ لفترة انتقالية في إطار السيادة المغربية‚
بحيث تتولى المغرب الإشراف على وزارات السيادة‚ بما في ذلك رسم السياسة
العامة لإقليم الصحراء‚ هو الحل الأمثل‚ وبعدها يتاح لسكان الصحراء تقرير
مصيرهم عبر الاستفتاء‚
ونحن كعرب
ومسلمين ندعو الله أن تُحل هذه القضية المتأزمة التي شلّت مسيرة الاتحاد
المغاربي‚ ليعود الوئام إلى دول المغرب العربي‚ دون المساس بوحدة التراب
الملكي المغربي‚
No comments:
Post a Comment